في بلدٍ تتجاوز الحرارة فيه خمسين درجة مئوية صيفاً، وترافقها نسب رطوبة عالية، تمثّل الأماكن المغلقة المبرّدة بأجهزة التكييف ملاذاً لسكان قطر. وفي الصيف الذي يُعَدّ موسم العطل، يهجر الناس الأماكن المكشوفة، مثل الحدائق والمتنزّهات ومساحات ترفيهية أخرى، والتي لا يمكن ارتيادها نهاراً ولا ليلاً، ما دفع قطر إلى تحويل تحديات المناخ إلى فرص سياحية مبتكرة من خلال مشاريع لتبريد المناطق المكشوفة، بدءاً من الشوارع، مروراً بالحدائق، ووصولاً إلى الأسواق المفتوحة، بما يتيح للمواطن والمقيم والزائر الاستمتاع بالأجواء الخارجية من دون الشعور بالحرّ.
وأُطلقت فكرة التحدّي المناخي والبيئي قبل نحو 16 عاماً، ومنذ عام 2009، توسّعت الدولة الخليجية الغنية بالغاز الطبيعي في تبريد المساحات العامة، مستخدمةً تقنيات مستدامة، تعتمد معظمها على الطاقة الشمسية. وكان أوّل مشروع لتكييف المناطق المفتوحة في الحيّ الثقافي “كتارا” بالعاصمة الدوحة، ليصير شارع “21 هاي ستريت” الأوّل من نوعه المبرّد في العالم، ويدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.
ويتميّز الشارع الواقع في قلب “كتارا” بنظام متكامل للتكييف في الهواء الطلق، إذ تنخفض درجة الحرارة من 45 درجة مئوية إلى نحو 23 درجة مئوية في داخل الشارع المكيّف. ويعمل النظام من خلال ضخّ الهواء البارد على الرصيف بواسطة فوهات مبرّدة، بعد مرور المياه الباردة عبر خطّ أنابيب في الشارع.
وأوضح مدير العلاقات العامة والاتصال في الحيّ الثقافي “كتارا”، سالم المري، أنّ الشارع المكيّف فيه، أوّل شارع مكيّف في العالم، وقد عملت الجهات المعنية في الدولة على المشروع منذ عام 2009، ليكون متنفّساً لزائريه في خلال فترة الصيف المعروفة بحرارتها المرتفعة جداً، فينجح في استقطاب زائرين، سواء من قطر أو من خارجها، ويساهم في تعزيز مجال الابتكار والتكنولوجيات الحديثة وتوظيفهما في خدمة تنويع النسيج الاقتصادي، وخصوصاً في المجال السياحي، وفقاً لوكالة الأنباء القطرية (قنا).
ولفت المري إلى أنّ الشوارع المكيّفة في قطر صارت عنصراً من عناصر الجذب السياحي، في تكامل مع باقي العناصر المميّزة للسياحة في البلاد، إذ تساهم النشاطات والفعاليات التي تُقام على سبيل المثال في “كتارا” وطابعها المعماري في تكوين خصوصية قطرية تساهم في رفع عدد الزائرين، وخصوصاً السيّاح الباحثين عن الجمع ما بين الترفيه والثقافة في محيط منعش في فترة الصيف.
في سياق متصل، حطّمت حديقة عامة في الدوحة، تحمل اسم “أم السنيم“، وهو أحد أحياء المدينة، رقماً قياسياً عندما دخلت موسوعة “غينيس” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قبيل انطلاقة فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم “مونديال 2022″، إذ تضمّ أطول مسار مكيّف للمشي والجري في العالم بطول 1,143 متراً. وتستوعب الحديقة نحو ستة آلاف زائر يومياً، وتمتدّ على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربّع، مع مسطّحات خضراء على مساحة 88 ألف متر مربّع، وتحتوي على 912 شجرة من 18 نوعاً. أمّا نظام التكييف فيها، فيتميّز بكونه صديقاً للبيئة، إذ يعتمد في توليد 60% من الكهرباء المطلوبة لتشغيل أجهزة التكييف على الألواح الشمسية.
وعند أطراف الدوحة، حقّق ممشى الكريستال في جزيرة جيوان إنجازاً عالمياً جديداً خلال العام الحالي، بدخوله بدوره موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية في ثلاث فئات، بوصفه أكبر مركز تسوّق خارجي مكيّف بمساحة تبلغ 7,360 متراً مربعاً، وأطول طريق كريستالي يمتدّ لمسافة ألف متر، ويحتوي على أكثر من عشرة أطنان من الكريستالات، وأكبر مظلّة إضاءة تفاعلية خارجية في العالم.
ويحافظ ممشى الكريستال على بيئة مريحة من خلال تحقيق درجات حرارة تصل إلى 23 درجة مئوية في خلال فصل الصيف، باستخدام نظام التبريد المركزي المتطوّر الذي يوفّر الطاقة بما لا يقلّ عن 20% مقارنة بالأنظمة التقليدية. ويستقطب الممشى زائرين كثيرين يقصدونه في أمسيات الصيف، نظراً إلى ما يوفّره من خدمات من قبيل المطاعم ومقاهي الرصيف والمتاجر وأماكن للعب للأطفال وغيرها.
تقول منال العيسى التي تزور الدوحة آتية من الإمارات لـ”العربي الجديد”: “لم أكن أتخيّل أن أجد مكاناً في مثل هذا الجمال والرقي في الدوحة، ولا سيّما أنّ أغسطس/ آب أكثر أشهر الصيف قيظاً في الخليج، إذ إنّ الحرارة لا تنخفض عن أربعين درجة مئوية. لكنّك في هذا الممشى المفتوح، لا تشعر بالقيظ على الإطلاق، كأنّك في شهر نوفمبر”.
وترى العيسى أنّ “قطر نجحت في أن تكون وجهة سياحية جاذبة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي والمقيمين فيها، منذ استضافة مونديال 2022”. تضيف: “بعدما أبدعت الدوحة في تبريد ملاعب المونديال، بدأت تكيّف الشوارع والأماكن الحيوية المكشوفة، الأمر الذي يرفع من جودة الحياة ويغيّر المشهد السياحي في البلاد”.
إرسال تعليق